لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
تفسير آيات الأحكام من سورة النور
56107 مشاهدة
معنى قوله تعالى: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا

...............................................................................


يقول تعالى: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا يمتن على عباده بأنه الذي حفظهم، وهو الذي وفقهم وسددهم، وحماهم عن أن يخوضوا في شيء من المنكر، وعن أن يفعلوا شيئا من المعاصي، فلولا أنه تفضل بحمايته عليهم، ولولا أنه تفضل بتسديدهم وتوفيقهم للحق وبيان الحق لهم حتى يصلوا إليه ويسيروا عليه لضلوا ولتاهوا.
الزكاة هاهنا التطهير، مَا زَكَا مِنْكُمْ من أَحَد، يعني ما تطهر منكم أحد من الأدناس، والمعاصي؛ بل إن الله -تعالى- حماكم وحفظكم عن هذه المعاصي التي تدنس الأعراض، والتي تسيء السمعة والتي تقدح في العدالة، وتقدح في الديانة، فإذا وفق الله -تعالى- المؤمنين لها وحفظهم عنها؛ زكوا وتتطهروا وابتعدوا عن الشرور، وإذا خذلهم وخلى بينهم وبين أعدائهم فإنهم يخوضون في تلك الذنوب التي تدنس أعراضهم، وتجلب لهم سمعة سيئة.
فالتزكية هنا، ما زكا منكم من أحد أبدا يعني: ما سلم من الخبث ومن الشرور والمنكرات، ونحو ذلك إلا من شاء الله -تعالى- أن يزكيه قال الله -تعالى- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ قد يراد بالتزكية هنا أنه يطهرهم، يزكي من يشاء، وقد يراد بالتزكية: المدح، أنه يمدحهم ويثني علهم؛ وذلك لأنهم أهل لذلك حيث إنهم طهروا أنفسهم؛ فتطهير النفس من الذنوب يسمى تزكية قال -تعالى- قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا يعني من طهر نفسه عن الأدناس وعن مساوئ الذنوب ومفاسدها.
فالله -تعالى- هو الذي يزكي ولا يجوز للإنسان أن يمدح نفسه وذلك هو التزكية في قوله -تعالى- فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى أي لا تمدحوا أنفسكم، وتثنوا عليها بشيء غير حقيقي؛ فالفضل لله -تعالى- وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ ثم أخبر بأن الله هو السميع، سَمِيعٌ عَلِيمٌ لأقوالكم، وعالم بأعمالكم.